أخي الحاج الكريم: تقبّل الله منا ومنك صالح الأعمال ووفقنا وإياك لكل خير, وكفانا وإياك كل شر, خاصة شرور أنفسنا.
ها
قد جاء موسم من أعظم مواسم القربات, وآخر محطة من محطات المسابقة إلى
الخيرات, يختم المسلمون به عامهم, وقد تطهرت أثوابهم من المعاصي والسيئات,
فهنيئًا لك إن شاء الله غفران الذنوب والولادة من جديد, وأسأل الله لك
التوفيق فيما يستقبل من عمرك القادم, و أسأله لي ولك التسديد.
اعلم
أخي الحاج أن الله تعالى قد اختارك من بين خلقه لنيل شرف عظيم, فأنظار
المسلمين في المشارق والمغارب تغبطك على مكانك الذي اختارك الله له, وتتمنى
أداء مناسك يسر الله لك أداءها, ووفقك للذهاب إليها, فاستشعر هذا
الاصطفاء, واستصحب في رحلتك اختيار الله لك من بين سائر خلقه لأداء هذه
المناسك الجليلة.
أخي الحاج المبارك: لا تنس إخلاص نيتك لله قبل
ذهابك لحجك, وإياك ثم إياك أن تخلط عملك الصالح بنية فاسدة, فحجك لله وليس
ليقال فلان قد حج البيت, أو أن يطلق عليك الناس لقب حاج أو غير ذلك.
أخي
الكريم: قبل ذهابك للحج أسقط الناس من نظرك, وخلّص منهم قلبك، واجعل نيتك
خالصة مخلصة للملك الجبار, مالك الملك وخالق الخلق, وجابر كسر المنكسرين,
ومفرج كرب المهمومين, وغافر ذنب المذنبين, وقابل توب المفرطين التائبين.
واعلم
أخي الكريم أن فساد النيّة وجعلها لغير الله تحبط عملك، وتأتي يوم القيامة
وقد رد حجك في وجهك, فانج بعملك ونفسك قبل يوم حساب ليس فيه عمل، تتمنى
فيه لو رددت إلى الدنيا لتسبح الله تسبيحة واحدة، فكيف بك وقد وضع حجك في
ميزانك, وواحسرتك لو رفع الحج من الميزان بسبب النية الفاسدة.
كما
أذكرك أخي الكريم بأن العمل كي يُقبل يجب أن يكون صحيحًا صوابًا, متبع فيه
لشرع الله غير مبتدع, فعليك بتعلم أداء المناسك حتى تؤديها صحيحة سليمة دون
إفساد ولا تفريط، وإياك إياك أن تتكاسل عن التعلم وسؤال أهل العلم عن كل
كبيرة وصغيرة قبل ذهابك لحجك؛ حتى تؤدي حجك على الوجه المطلوب المرغوب؛ عسى
أن يكون حجك مبرورًا, ولا جزاء يوم القيامة لحجك المبرور سوى الجنة, واعلم
أن حجك كي يكون مبرورًا يجب أن يكون صحيحًا غير فاسد بنية صالحة غير
مختلطة.
أخي الحاج الكريم: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل
السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء يقول يارب يارب، ومطعمه حرام وملبسه
حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له.
فعليك بإطابة المطعم والتخلّص من
كل حرام قبل ذهابك لحجك، فكما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم: «كل بشر
نبت من سحت فالنار أولى به». تخلص من الحرام, وتحلل من كل سحت, واصطحب
الحلال الطيب فهو نعم الزاد الصالح للرجل الصالح, ولا تيأس من رحمة الله,
فالتوبة تجبُّ ما قبلها (أي تمحوه), فعليك بإصلاح ما بينك وبين الله قبل
حجك, ثم عليك بإصلاح ما بينك وبين الخلق, فتحلل من كل من ظلمته أو خاصمته,
اطلب الصفح, وأقبل على الله بقلب مفتوح وأمل ورجاء في الملك أن يفتح لك
الباب ويقبلك من جنده, فما أعظم الملك وما أعظم جند الرحمن.
أخي
الكريم: يا من وقعت في عبادة غير الله بغير علم, يامن توسلت للأولياء وطلبت
منهم ما لا يعطيه إلا الله, وذبحت ونذرت لغير ربك وخالقك، اعلم أن هذه
الأفعال تبطل حجك إن لم تتب منها, فأسرع وأقلع ولا تيأس فالباب مفتوح على
مصراعيه, ورحمة الله سبقت غضبه, وبرغم إساءتك فقد اصطفاك واختارك للوقوف
بين يديه في أعظم الأماكن وأشرفها في أجل الأوقات وأعظمها, فبادر وأسرع
بالولوج فباب التوبة والمغفرة مفتوح, والجنة مشرعة الأبواب, عسى توبة صادقة
وعزم أكيد على توحيد الحميد المجيد, تورثك جنة عرضها السماوات والأرض أعدت
للمتقين, واعلم أنك لو حججت ألف مرة ثم أتيت الله بعد حجك وقد طلبت العون
من غيره, وصرفت الدعاء لعباده, ونذرت الخير لغير أهله, فقد أحبطت حجك
بشركك، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48].
أيها الحاج الكريم: هذه فرصة سانحة وولادة جديدة, وخير مقبل, فلا تضيّع نفحات الرحمن, وهنيئًا لك إن شاء الله عنان الجنان.
لا
تنسنا ولا تنس إخوانك المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من الدعاء, وخص
منهم الأسرى والمنكوبين, واسأل ربك بصدق أن يرفع الغمة والاحتلال وشريعة
الغاب عن أمة مهيب الجناب صلى الله عليه وسلم.
بارك الله لك وتقبل منا ومنك, وأسأل الله تعالى أن لا تعود لأهلك إلا بحج مقبول وذنب مغفور.